قديما قيل … ” أخبرنى و سوف انسى ، أرنى و ربما اتذكر ، اشركنى و سوف افهم “
هذه حقيقة آمنت بها ماريا مونتيسوري بشكل كبير
و هي أن الاطفال يتعلمون الخبرات التى يعيشون فيها بكل حواسهم أكثر بكثيرا من تلك التى نخبرهم عنها بالكلام او نريهم اياها بالصور فقط .
و فى السنين الأولى من حياة الطفل تعد التمارين الخاصة بتطور الوعى الحسى ذات اهمية كبيرة ، لانها تساعد بشكل كبير فى تطور جهازه العصبى و تكون العديد من الوصلات العصبية اللازمة لبناء المخ ، مما يجعل العملية التعليمية فى المستقبل اسهل و اكثر فاعلية.
و التعليم الحسى فى الطفل يبدأ منذ الولادة !
فعندما نحمله بين أذرعنا فإنه بذلك يتعرض لخبرات حية جديدة عليه ، مثل أن يشم رائحة أمه ، و أن يسمع صوتها ، ان يحس بملمس جلدها او ملمس الملابس على جلده ، و الاطفال بطبيعتهم يمتلكون ما يكفى من الفضول و قوة الملاحظة فى السنين الاولى ما يجعلهم يكتسبون انطباعا عن اى خبرة حسية يتعرضون لها ، تتخزن هذه الانطباعات فى خريطة عقلهم الذهنية و توجه مفاهيمهم و تصرفاتهم نحو البيئة المحيطة بعد ذلك .
و لعل اكثر حاسة يتعلم بها الطفل و اكثرهم اهمية هى حاسة البصر ، و هى لا تكون مكتملة عند ولادة الطفل ، فالخلايا المخروطية المسؤلة عن معالجة الألوان و التفاصيل الدقيقة تكون قليلة و متباعدة ، بينما الخلايا الطويلة الى تحلل حركة الاجسام تكون كثيرة و هى تعمل افضل فى الضوء الخافت .
لذلك ، فالطفل عند الولادة لا يميز أى ألوان ولا تفاصيل للأجسام التى حوله ، كل ما يراه هو تباين و انعكاسات الضوء ، أى انه يرى الدنيا بالأبيض و الاسود ، كما ان مسافة الرؤية عنده تنحصر فى مقدار 25سم على الأكثر ، و خارج هذه المساحة يكون كل شىء غير واضح.
و يمكننا دعم تطور حاسة البصر فى هذه الفترة بتعليق اشكال او صور متباينة بالأبيض و الاسود ، و تكون حرة الحركة بحيث تتحرك مع القليل من الهواء فى الغرفة ، و على مسافة قريبة من نظر الطفل ، و بذلك يستطيع ان يلاحظها و يركز انتباهه عليها .
فى عمر 3 أشهر يبدأ الطفل فى ملاحظة ابعاد و تفاصيل العالم من حوله ، لا سيما وجوه افراد اسرته ، و يبدى اهتماما كبيرا بتفاصيل الوجه ، يمكننا الآن تعليق صور افراد العائلة فى مستوى نظره ليتأملها ، يثيره ذلك كثيرا .
فى عمر 4 شهور تقريبا نجد ان يد الطفل اصبحت مستعدة للإمساك بالاشياء حوله ، و هذا يعنى ان البصر تتطور و اصبح يرى الأجسام بأبعادها الثلاثة ، و قد صارت حركية العينين متوافقة لحد كبير ، يمكننا الآن ان نبدل الالعاب المعلقة بأخرى ملونة ، لكن نستخدم ألوان متمايزة بدرجة كبيرة كالاحمر و الاصفر و الازرق مثلا ، ذلك ان القدرة على تمييز الألوان لم تكتمل بعد .
يمكننا استخدام اجسام ذات تفاصيل اكثر تعقيدا من ذى قبل ، فهو يبدى الآن اهتماما خاصل بالتفاصيل .
و فى عمر 5 اشهر يمكننا البدء بإدخال تدرجات الألوان الى الاشكال المعلقة ، فبصره سيكون قد اكتمل تقريبا بعمر ال6 أشهر و اصبح مقاربا كثيرا لبصر الكبار.
يمكننا ايضا استخدام مصباح يد فى غرفة مظلمة ليتابع الطفل بقعة الضوء المتحركة فى اركان الغرفة ، فقاقيع الصابون المتطايرة فى الهواء ايضا يمكن ان تكون مصدر اثارة للطفل ، و لا تهملوا قراءة الكتب المصورة للطفل فى هذا السن ، بجانب الاستثارة البصرية التى تتمثل فى الصور فهى تقوى الرابطة بين القارىء و الطفل و تمثل استثارة سمعية و لغوية ايضا .
اذكر انى بدأت فى هذا السن فعلا فى القراءة لحمزة و كانت الكتب تمثل مصدر اثارة و متعة كبيرة له ، حتى انى كلما اردت الهاؤه لانجاز اعمال اخرى كنت اعطى له كتابا أو أوكل والده بالقراءة له .
عند بلوغ الطفل سن مناسب يستطيع عنده الجلوس لفترات طويلة نسبيًا يمكننا تقديم ما يسمى ” سلة الكنز ” ، و هى سلة تحتوى اشياء من المنزل او الطبيعة ، كل ما فى البيئة حاليا هو شىء جديد و مثير للاستكشاف بالنسبة للطفل ، حتى ملعقة الطعام الخشبية !
اختارى ادوات و اشياء آمنة اذا وضعها فى فمه ، و خالية من الحواف الحادة ، و اتركيه يستكشف السلة بطريقته الخاصة ، فهو الآن سيستخدم كل حواسه من بصر و سمع و شم و لمس و تذوق.
بعد سن السنة تقريبا يمكننا البدء فى تحفيز انتباه الطفل لإدراك الفرق فى الاشكال و الألوان ، استخدام البازل ذو الاطار الواحد لكل شكل هندسى مثلا مفيد فى هذه المرحلة ، ابدأى بشكل الدائرة فهو اسهل على الطفل من باقى الاشكال ، ثم قدمى له الشل المربع ثم المثلث ثم باقى الاشكال .
و بالنسبة للألوان ايضا نبدأ فى تقديم الألوان الاساسية مثل الأحمر و الأصفر و الأزرق ، ثم الألوان الثانوية و الحيادية ، قبل ان نصل اخيرا لتدرجات الألوان .
مكعبات الانماط يمكن ان تكون مفيدة فى مرحلة تعلم الالوان و الاشكال ، حيث يمكننا اعطاء الطفل نمطا مطبوعا على ورق ، ليقوم بمطابقته حسب الشكل او اللون ، و يمكنك صناعتها من الفوم المضغوط اذا لم يتوفر لديك المكعبات الخشبية.
هناك العديد من انشطة المطابقة التى يمكنك تنفيذها بسهولة فى المنزل ، تصفحى الانترنت ستجدين افكارا كثيرة بسهولة .
عند السنة و النصف ايضا يمكننا توجيه انتباه الطفل لادراك الفروق بين المجسمات ثلاثية الابعاد ، مثل الفرق بين الكبير و الصغير ، اجمعى اشياء متطابقة لكن مختلفة الحجم من حول المنزل لتقديم هذا الدرس .
و فى سن اكبر يمكنك استخدام مكعبات البناء الخشبية لتقديم درس المجسمات الهندسية مثل المكعب و الهرم و متوازى المستطيلات .
نصائح اخيرة :
- لا تتعجلى استجابة طفلك لما تقدمينه له من خبرات ، فقط وفرى الادوات و البيئة المناسبة و اتركى له تحديد وقت الاستجابة المناسب لقدراته ، و لا تقارنيه بأطفال الآخرين .
- المنزل ملىء بالأدوات و الخبرات التى يمكن ان تفيد الطفل ، فكرى بها و استغليها قبل ان تبحثى عن موارد خارجية ، ادوات بسيطة تقدم للطفل بطريقة صحيحة تغنى احيانا عن اى اداة مكلفة .
- تقديم نفس النشاط باختلاف او تعديل بسيط يمكن ان يجدد انجذاب الطفل له و اندماجه فى تنفيذه .
- سجلى تطور طفلك دائما و استجابته لك على مدار الشهور لتكون مرجع لك عند الحاجة .